الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَنْ يَعْمَلْ ذَنْبًا، وَهُوَ "السُّوءُ" "أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ"، بِإِكْسَابِهِ إِيَّاهَا مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ عُقُوبَةَ اللَّهِ"ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ"، يَقُولُ: ثُمَّ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ بِإِنَابَتِهِ مِمَّا عَمِلَ مِنَ السُّوءِ وَظُلْمِ نَفْسِهِ، وَمُرَاجَعَتِهِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تَمْحُو ذَنْبَهُ وَتُذْهِبُ جُرْمَهُ"يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا"، يَقُولُ: يَجِدُ رَبَّهُ سَاتِرًا عَلَيْهِ ذَنْبَهُ بِصَفْحِهِ لَهُ عَنْ عُقُوبَةِ جُرْمِهِ، رَحِيمًا بِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهَا الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِالْخِيَانَةِ بِقَوْلِهِ: " {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} ". وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهَا الَّذِينَ كَانُوا يُجَادِلُونَ عَنِ الْخَائِنِينَ، الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ لَهُمْ: " {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} "، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَائِلِي الْقَوْلَيْنِ كِلَيْهِمَا فِيمَا مَضَى. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنَّهُ عَنَى بِهَا كُلَّ مَنْ عَمِلَ سُوءًا أَوْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي أَمْرِ الْخَائِنِينَ وَالْمُجَادِلِينَ عَنْهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهَ أَمْرَهُمْ فِي الْآيَاتِ قَبْلَهَا. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا أَصَابَ أَحَدُهُمْ ذَنْبًا أَصْبَحَ قَدْ كُتِبَ كَفَّارَةُ ذَلِكَ الذَّنْبِ عَلَى بَابِهِ. وَإِذَا أَصَابَ الْبَوْلُ شَيْئًا مِنْهُ، قَرَضَهُ بِالْمِقْرَاضِ. فَقَالَ رَجُلٌ: لَقَدْ آتَى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَيْرًا! فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا آتَاكُمُ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاهُمْ، جَعَلَ اللَّهُ الْمَاءَ لَكُمْ طَهُورًا وَقَالَ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 135]، وَقَالَ: " {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} ". حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، فَسَأَلَتْهُ عَنِ امْرَأَةٍ فَجَرَتْ فَحَبِلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَتَلَتْ وَلَدَهَا؟ فَقَالَ ابْنُ مُغَفَّلٍ: مَا لَهَا؟ لَهَا النَّارُ! فَانْصَرَفَتْ وَهِيَ تَبْكِي، فَدَعَاهَا ثُمَّ قَالَ: مَا أَرَى أَمْرَكِ إِلَّا أَحَدَ أَمْرَيْنِ: " {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} "، قَالَ: فَمَسَحَتْ عَيْنَهَا ثُمَّ مَضَتْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} "، قَالَ: أَخْبَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِحِلْمِهِ وَعَفْوِهِ وَكَرَمِهِ، وَسِعَةِ رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، فَمَنْ أَذْنَبَ ذَنَبًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا، وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُ أَعْظَمَ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَنْ يَأْتِ ذَنْبًا عَلَى عَمْدٍ مِنْهُ لَهُ وَمَعْرِفَةٍ بِهِ، فَإِنَّمَا يَجْتَرِحُ وَبَالَ ذَلِكَ الذَّنْبِ وَضُرَّهُ وَخِزْيَهُ وَعَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ، دُونَ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ خَلْقِ اللَّهِ. يَقُولُ: فَلَا تُجَادِلُوا، أَيُّهَا الَّذِينَ تُجَادِلُونَ، عَنْ هَؤُلَاءِ الْخَوَنَةِ، فَإِنَّكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ لَهُمْ عَشِيرَةً وَقَرَابَةً وَجِيرَانًا، بُرَآءُ مِمَّا أَتَوْهُ مِنَ الذَّنْبِ وَمِنَ التَّبِعَةِ الَّتِي يُتَّبَعُونَ بِهَا، وَإِنَّكُمْ مَتَى دَافَعْتُمْ عَنْهُمْ أَوْ خَاصَمْتُمْ بِسَبَبِهِمْ، كُنْتُمْ مِثْلَهُمْ، فَلَا تُدَافِعُوا عَنْهُمْ وَلَا تُخَاصِمُوا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا"، فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَكَانَ اللَّهُ عَالِمًا بِمَا تَفْعَلُونَ، أَيُّهَا الْمُجَادِلُونَ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ، فِي جِدَالِكُمْ عَنْهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِكُمْ وَأَفْعَالِ غَيْرِكُمْ، وَهُوَ يُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِمْ، حَتَّى يُجَازِيَ جَمِيعَكُمْ بِهَا"حَكِيمًا" يَقُولُ: وَهُوَ حَكِيمٌ بِسِيَاسَتِكُمْ وَتَدْبِيرِكُمْ وَتَدْبِيرِ جَمِيعِ خَلْقِهِ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي بَنِي أُبَيْرِقٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَنْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً، وَهِيَ الذَّنْبُ"أَوْ إِثْمًا"، وَهُوَ مَا لَا يَحِلُّ مِنَ الْمَعْصِيَةِ. وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ "الخَطِيئَةِ" وَ "الإِثْمِ"، لِأَنَّ "الخَطِيئَةَ"، قَدْ تَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْعَمْدِ وَغَيْرِ الْعَمْدِ، وَ "الإِثْمُ" لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْعَمْدِ، فَفَصَلَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِذَلِكَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: وَمَنْ يَأْتِ"خَطِيئَةً" عَلَى غَيْرِ عَمْدٍ مِنْهُ لَهَا"أَوْ إِثْمًا" عَلَى عَمْدٍ مِنْهُ. " {ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} "، يَعْنِي: ثُمَّ يُضِيفُ مَا لَهُ مِنْ خَطَئِهِ أَوْ إِثْمِهِ الَّذِي تَعَمَّدَهُ "بَرِيئًا" مِمَّا أَضَافَهُ إِلَيْهِ وَنَحَلَهُ إِيَّاهُ" {فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} "، يَقُولُ: فَقَدْ تَحَمَّلَ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ فِرْيَةً وَكَذِبًا وَإِثْمًا عَظِيمًا يَعْنِي، وَجُرْمًا عَظِيمًا، عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ وَعَمْدٍ لِمَا أَتَى مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَذَنْبِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: "بَرِيئًا"، بَعْدَ إِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّ الَّذِي رَمَى الْبَرِيءَ مِنَ الْإِثْمِ الَّذِي كَانَ أَتَاهُ، ابْنُ أُبَيْرِقٍ الَّذِي وَصَفْنَا شَأْنَهُ قَبْلُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْبَرِيءِ، رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ: " لَبِيدُ بْنُ سَهْلٍ ". وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ: " زَيْدُ بْنُ السَّمِينِ "، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى. وَمِمَّنْ قَالَ: "كَانَ يَهُودِيًّا"، ابْنُ سِيرِينَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: "ثُمَّ يَرِمُ بِهِ بَرِيئًا"، قَالَ: يَهُودِيًّا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، مِثْلَهُ. وَقِيلَ: " {يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} "، بِمَعْنَى: ثُمَّ يَرْمِ بِالْإِثْمِ الَّذِي أَتَى هَذَا الْخَائِنُ، مَنْ هُوَ بَرِيءٌ مِمَّا رَمَاهُ بِهِ، فَـ "الهَاءُ" فِي قَوْلِهِ: "بِهِ" عَائِدَةٌ عَلَى "الإِثْمِ". وَلَوْ جُعِلَتْ كِنَايَةً مِنْ ذِكْرِ "الإِثْمِ" وَ "الخَطِيئَةِ"، كَانَ جَائِزًا، لِأَنَّ الْأَفْعَالَ وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْعِبَارَاتُ عَنْهَا، فَرَاجِعَةٌ إِلَى مَعْنَى وَاحِدٍ بِأَنَّهَا فِعْلٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " {فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} "، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: فَقَدْ تَحَمَّلَ- هَذَا الَّذِي رَمَى بِمَا أَتَى مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَرَكِبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالْخَطِيئَةِ، مَنْ هُوَ بَرِيءٌ مِمَّا رَمَاهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ-"بُهْتَانًا"، وَهُوَ الْفِرْيَةُ وَالْكَذِبُ "وَإِثْمًا مُبِينًا"، يَعْنِي وِزْرًا"مُبِينًا"، يَعْنِي: أَنَّهُ يُبِينُ عَنْ أَمْرِ مُتَحَمِّلِهِ وَجَرَاءَتِهِ عَلَى رَبِّهِ، وَتَقَدُّمِهِ عَلَى خِلَافِهِ فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ لِمَنْ يَعْرِفُ أَمْرَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْوَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنَزْلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: " {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ} "، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَفَضَّلَ عَلَيْكَ، يَا مُحَمَّدُ، فَعَصَمَكَ بِتَوْفِيقِهِ وَتِبْيَانِهِ لَكَ أَمْرَ هَذَا الْخَائِنِ، فَكَفَفْتَ لِذَلِكَ عَنِ الْجِدَالِ عَنْهُ، وَمُدَافِعَةِ أَهْلِ الْحَقِّ عَنْ حَقِّهِمْ قِبَلَهُ" {لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ} "، يَقُولُ: لَهَمَّتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ، يَعْنِي: مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ"أَنْ يُضِلُّوكَ"، يَقُولُ: يُزِلُّوكَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَذَلِكَ لِتَلْبِيسِهِمْ أَمْرَ الْخَائِنِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهَادَتِهِمْ لِلْخَائِنِ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ بَرِيءٌ مِمَّا ادُّعِيَ عَلَيْهِ، وَمَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ أَنْ يَعْذُرَهُ وَيَقُومَ بِمَعْذِرَتِهِ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَمَا يُضِلُّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَمُّوا بِأَنْ يُضِلُّوكَ عَنِ الْوَاجِبِ مِنَ الْحُكْمِ فِي أَمْرِ هَذَا الْخَائِنِ دِرْعَ جَارِهِ، "إِلَّا أَنْفُسَهُمْ". فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا كَانَ وَجْهُ إِضْلَالِهِمْ أَنْفُسَهُمْ؟ قِيلَ: وَجْهُ إِضْلَالِهِمْ أَنْفُسَهُمْ: أَخْذُهُمْ بِهَا فِي غَيْرِ مَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُمُ الْأَخْذَ بِهَا فِيهِ مِنْ سُبُلِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ كَانَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ إِلَى خَلْقِهِ، بِالنَّهْيِ عَنْ أَنْ يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَالْأَمْرِ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْحَقِّ. فَكَانَ مِنَ الْوَاجِبِ لِلَّهِ فِيمَنْ سَعَى فِي أَمْرِ الْخَائِنِينَ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ أَمْرَهُمْ بِقَوْلِهِ: " {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} "، مُعَاوَنَةُ مَنْ ظَلَمُوهُ، دُونَ مَنْ خَاصَمَهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِ حَقِّهِ مِنْهُمْ. فَكَانَ سَعْيُهُمْ فِي مَعُونَتِهِمْ، دُونَ مَعُونَةِ مَنْ ظَلَمُوهُ، أَخْذًا مِنْهُمْ فِي غَيْرِ سَبِيلِ اللَّهِ. وَذَلِكَ هُوَ إِضْلَالُهُمْ أَنْفُسَهُمُ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ فَقَالَ: " {وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} ". " {وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ} "، وَمَا يَضُرُّكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَمُّوا لَكَ أَنْ يُزِلُّوكَ عَنِ الْحَقِّ فِي أَمْرِ هَذَا الْخَائِنِ مِنْ قَوْمِهِ وَعَشِيرَتِهِ"مِنْ شَيْءٍ"، لِأَنَّ اللَّهَ مُثَبِّتُكَ وَمُسَدِّدُكَ فِي أُمُورِكَ، وَمُبَيِّنٌ لَكَ أَمْرَ مَنْ سَعَوْا فِي إِضْلَالِكَ عَنِ الْحَقِّ فِي أَمْرِهِ وَأَمْرِهِمْ، فَفَاضِحُهُ وَإِيَّاهُمْ. وَقَوْلُهُ: " {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} "، يَقُولُ: وَمِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْكَ، يَا مُحَمَّدُ، مَعَ سَائِرِ مَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْكَ مِنْ نِعَمِهِ، أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَيْكَ "الكِتَابَ"، وَهُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي فِيهِ بَيَانُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ"وَالْحِكْمَةَ"، يَعْنِي: وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ مَعَ الْكِتَابِ الْحِكْمَةَ، وَهِيَ مَا كَانَ فِي الْكِتَابِ مُجْمَلًا ذِكْرُهُ، مِنْ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَأَحْكَامِهِ، وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ " {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} " مِنْ خَبَرِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَمَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْكَ، يَا مُحَمَّدُ، مُذْ خَلَقَكَ، فَاشْكُرْهُ عَلَى مَا أَوْلَاكَ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْكَ، بِالتَّمَسُّكِ بِطَاعَتِهِ، وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى رِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ، وَلُزُومِ الْعَمَلِ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ فِي كِتَابِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَمُخَالَفَةِ مَنْ حَاوَلَ إِضْلَالَكَ عَنْ طَرِيقِهِ وَمِنْهَاجِ دِينِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاكَ بِفَضْلِهِ، وَيَكْفِيكَ غَائِلَةَ مَنْ أَرَادَكَ بِسُوءٍ وَحَاوَلَ صَدَّكَ عَنْ سَبِيلِهِ، كَمَا كَفَاكَ أَمْرَ الطَّائِفَةِ الَّتِي هَمَّتْ أَنْ تُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِهِ فِي أَمْرِ هَذَا الْخَائِنِ. وَلَا أَحَدَ دُونَهُ يُنْقِذُكَ مِنْ سُوءٍ إِنْ أَرَادَ بِكَ، إِنْ أَنْتَ خَالَفَتْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَاتَّبَعْتَ هَوَى مَنْ حَاوَلَ صَدَّكَ عَنْ سَبِيلِهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تَنْبِيهٌ مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوْضِعِ خَطَئِهِ، وَتَذْكِيرٌ مِنْهُ لَهُ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: " {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} "، لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَى النَّاسِ جَمِيعًا"إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ"، وَ "المَعْرُوفُ"، هُوَ كُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَوْ نَدَبَ إِلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْخَيْرِ، " {أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} "، وَهُوَ الْإِصْلَاحُ بَيْنَ الْمُتَبَايِنَيْنِ أَوِ الْمُخْتَصِمَيْنِ، بِمَا أَبَاحَ اللَّهُ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمَا، لِيَتَرَاجَعَا إِلَى مَا فِيهِ الْأُلْفَةُ وَاجْتِمَاعُ الْكَلِمَةِ، عَلَى مَا أَذِنَ اللَّهُ وَأَمَرَ بِهِ. ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا وَعَدَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَالَ: " {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} "، يَقُولُ: وَمَنْ يَأْمُرْ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ مِنَ الْأَمْرِ، أَوْ يُصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ" {ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} "، يَعْنِي: طَلَبَ رِضَى اللَّهِ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ " {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} "، يَقُولُ: فَسَوْفَ نُعْطِيهِ جَزَاءً لِمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ عَظِيمًا، وَلَا حَدَّ لِمَبْلَغِ مَا سَمَّى اللَّهُ "عَظِيمًا" يَعْلَمُهُ سِوَاهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِيمَعْنَى قَوْلِهِ: " {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ} ". فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْبَصْرَةِ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ، إِلَّا فِي نَجْوَى مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ، كَأَنَّهُ عَطَفَ بِـ "مَنْ" عَلَى "الهَاءِ وَالْمِيمِ" الَّتِي فِي"نَجْوَاهُمْ". وَذَلِكَ خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، لِأَنَّ"إِلَّا" لَا تَعْطِفُ عَلَى "الهَاءِ وَالْمِيمِ" فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَنَلْهُ الْجَحْدُ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفَةِ: قَدْ تَكُونُ"مَنْ" فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ وَنَصْبٍ. أَمَّا الْخَفْضُ، فَعَلَى قَوْلِكَ: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا فِيمَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ. فَتَكُونُ "النَّجْوَى" عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، هُمُ الرِّجَالُ الْمُنَاجُونَ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 7]، وَكَمَا قَالَ {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 47]. وَأَمَّا النَّصْبُ، فَعَلَى أَنْ تَجْعَلَ "النَّجْوَى" فِعْلًا فَيَكُونُ نَصْبًا، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، لِأَنَّ"مَنْ" خِلَافَ "النَّجْوَى"، فَيَكُونُ ذَلِكَ نَظِيرَ قَوْلِ الشَّاعِرِ. وَمَـا بِالرَّبْعِ مِـنْ أَحَدِ *** إِلَّا أَوَارِيَّ لَأْيـًا مَا أُبَيِّنُهَـا وَقَدْ يَحْتَمِلُ"مَنْ" عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: وَبَلْـدَةٍ لَيْـسَ بِهَـا أَنِيسُ *** إِلَّا الْيَعَـافِيرُ وَإِلَّا الْعِيـسُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، أَنْ تَجْعَلَ"مَنْ" فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ، بِالرَّدِّ عَلَى "النَّجْوَى" وَتَكُونُ "النَّجْوَى" بِمَعْنَى جَمْعِ الْمُتَنَاجِينَ، خَرَجَ مَخْرَجَ "السَّكْرَى" وَ "الجَرْحَى" وَ "المَرْضَى". وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرَ مَعَانِيهِ. فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَنَاجِينَ، يَا مُحَمَّدُ، مِنَ النَّاسِ، إِلَّا فِيمَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ فِيهِمُ الْخَيْرُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَنُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: " {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} "، وَمَنْ يُبَايِنِ الرَّسُولَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُعَادِيًا لَهُ، فَيُفَارِقْهُ عَلَى الْعَدَاوَةِ لَهُ " {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} "، يَعْنِي: مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ" {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} "، يَقُولُ: وَيَتَّبِعْ طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِ أَهْلِ التَّصْدِيقِ، وَيَسْلُكْ مِنْهَاجًا غَيْرَ مِنْهَاجِهِمْ، وَذَلِكَ هُوَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ، لِأَنَّ الْكُفْرَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ غَيْرُ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرُ مِنْهَاجِهِمْ" {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} "، يَقُولُ: نَجْعَلُ نَاصِرَهُ مَا اسْتَنْصَرَهُ وَاسْتَعَانَ بِهِ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَهِيَ لَا تُغْنِيهِ وَلَا تَدْفَعُ عَنْهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَنْفَعُهُ، كَمَا:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} "، قَالَ: مِنْ آلِهَةِ الْبَاطِلِ. حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. " {وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} "، يَقُولُ: وَنَجْعَلُهُ صِلَاءَ نَارِ جَهَنَّمَ، يَعْنِي: نَحْرِقُهُ بِهَا. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى "الصَّلَى" فِيمَا مَضَى قَبْلُ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. " {وَسَاءَتْ مَصِيرًا} "، يَقُولُ وَسَاءَتْ جَهَنَّمُ "مَصِيرًا"، مَوْضِعًا يَصِيرُ إِلَيْهِ مَنْ صَارَ إِلَيْهِ. ونَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْخَائِنِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: " {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} "، لَمَّا أَبَى التَّوْبَةَ مَنْ أَبَى مِنْهُمْ، وَهُوَ طُعْمَةُ بْنُ الْأُبَيْرِقِ، وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ بِمَكَّةَ مُرْتَدًّا، مُفَارِقًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِينِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُوَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لِطُعْمَةَ إِذْ أَشْرَكَ وَمَاتَ عَلَى شِرْكِهِ بِاللَّهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ خَلْقِهِ بِشِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ بِهِ" {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} "، يَقُولُ: وَيَغْفِرُ مَا دُونُ الشِّرْكِ بِاللَّهِ مِنَ الذُّنُوبِ لِمَنْ يَشَاءُ. يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَنَّ طُعْمَةَ لَوْلَا أَنَّهُ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَمَاتَ عَلَى شِرْكِهِ، لَكَانَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خِيَانَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ، وَكَانَ إِلَى اللَّهِ أَمْرُهُ فِي عَذَابِهِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ حُكْمُ كُلِّ مَنِ اجْتَرَمَ جُرْمًا، فَإِلَى اللَّهِ أَمْرُهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ جُرْمُهُ شِرْكًا بِاللَّهِ وَكُفْرًا، فَإِنَّهُ مِمَّنْ حَتْمٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ إِذَا مَاتَ عَلَى شِرْكِهِ، فَأَمَّا إِذَا مَاتَ عَلَى شِرْكِهِ، فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي ذَلِكَ بِمَا:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} "، يَقُولُ: مَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} "، فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَمَنْ يَجْعَلْ لِلَّهِ فِي عِبَادَتِهِ شَرِيكًا، فَقَدْ ذَهَبَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَزَالَ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، ذَهَابًا بَعِيدًا وَزَوَالًا شَدِيدًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ بِإِشْرَاكِهِ بِاللَّهِ فِي عِبَادَتِهِ قَدْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ وَسَلَكَ طَرِيقَهُ، وَتَرَكَ طَاعَةَ اللَّهِ وَمِنْهَاجَ دِينِهِ. فَذَاكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ وَالْخُسْرَانُ الْمُبِينُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ، فَسَمَّاهُنَّ اللَّهُ "إِنَاثًا"، بِتَسْمِيَةِ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُنَّ بِتَسْمِيَةِ الْإِنَاثِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: " {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} "، قَالَ: اللَّاتُ وَالْعُزَّى وَمَنَاةُ، كُلُّهَا مُؤَنَّثٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: كُلُّهُنَّ مُؤَنَّثٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} "، يَقُولُ: يُسَمُّونَهُمْ"إِنَاثًا": لَاتٌ وَمَنَاةُ وعُزَّى. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} "، قَالَ: آلِهَتُهُمْ، اللَّاتُ وَالْعُزَّى وَيَسَافُ وَنَائِلَةُ، إِنَاثٌ، يَدْعُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَقَرَأَ: " {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} ". وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا مَوَاتًا لَا رُوحَ فِيهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} "، يَقُولُ: مَيْتًا. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} "، أَيْ: إِلَّا مَيْتًا لَا رُوحَ فِيهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ: " {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} "، قَالَ: وَ "الإِنَاثُ" كُلُّ شَيْءٍ مَيِّتٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ: خَشَبَةٌ يَابِسَةٌ أَوْ حَجَرٌ يَابِسٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} " إِلَى قَوْلِهِ: "فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ". وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: "الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ".
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: " {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} "، قَالَ: الْمَلَائِكَةُ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ أَهْلَ الْأَوْثَانِ كَانُوا يُسَمُّونَ أَوْثَانَهُمْ"إِنَاثًا"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ كَذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ نُوحِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ لِكُلِّ حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ صَنَمٌ، يُسَمُّونَهَا: "أُنْثَى بَنِي فُلَانٍ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ " {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} ". حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَيْفٍ أَبُو رَجَاءَ الْحُدَّانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: كَانَ لِكُلِّ حَيٍّ مِنَ الْعَرَبِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: "الْإِنَاثُ" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الْأَوْثَانُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: "إِنَاثًا" قَالَ: أَوْثَانًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي مُصْحَفِ عَائِشَة: "إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَوْثَانًا". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: "إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أُثُنًا" بِمَعْنَى جَمْعِ"وَثَنٍ" فَكَأَنَّهُ جَمَعَ"وَثَنًا""وُثُنًا"، ثُمَّ قَلَبَ الْوَاوَ هَمْزَةً مَضْمُومَةً، كَمَا قِيلَ: "مَا أَحْسَنَ هَذِهِ الْأُجُوهَ"، بِمَعْنَى الْوُجُوهِ وَكَمَا قِيلَ: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} [سُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ: 11]، بِمَعْنَى: وُقِّتَتْ. وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: "إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أُنُثًا" كَأَنَّهُ أَرَادَ جَمْعَ "الإِنَاثِ" فَجَمَعَهَا"أُنُثًا"، كَمَا تُجْمَعُ "الثِّمَارُ""ثُمُرًا". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا نَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِهَا، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا}، بِمَعْنَى جَمْعِ"أُنْثَى"، لِأَنَّهَا كَذَلِكَ فِي مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى قِرَاءَةِ ذَلِكَ كَذَلِكَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي ذُكِرَتْ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ، إِذْ كَانَ الصَّوَابُ عِنْدَنَا مِنَ الْقِرَاءَةِ مَا وَصَفْتُ، تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ الْآلِهَةَ الَّتِي كَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيُسَمُّونَهَا الْإِنَاثَ مِنَ الْأَسْمَاءِ، كَاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَنَائِلَةَ وَمَنَاةَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ مَعَانِي "الإِنَاثِ" فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، مَا عُرِّفَ بِالتَّأْنِيثِ دُونَ غَيْرِهِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ تَوْجِيهُ تَأْوِيلِهِ إِلَى الْأَشْهَرِ مِنْ مَعَانِيهِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: " {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} "، يَقُولُ: مَا يَدْعُو الَّذِينَ يُشَاقُّونَ الرَّسُولَ وَيَتَّبِعُونَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا"مِنْ دُونِ اللَّهِ"، بَعْدَ اللَّهِ وَسِوَاهُ، "إِلَّا إِنَاثًا"، يَعْنِي: إِلَّا مَا سَمَّوْهُ بِأَسْمَاءِ الْإِنَاثِ كَاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَحَسْبُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ، وَعَبَدُوا مَا عَبَدُوا مَنْ دُونِهِ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَنْدَادِ، حَجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَذَهَابِهِمْ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ إِنَاثًا وَيَدْعُونَهَا آلِهَةً وَأَرْبَابًا، وَالْإِنَاثُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَخَسُّهُ، فَهُمْ يُقِرُّونَ لِلْخَسِيسِ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْعُبُودَةِ، عَلَى عِلْمٍ مِنْهُمْ بِخَسَاسَتِهِ، وَيَمْتَنِعُونَ مِنْ إِخْلَاصِ الْعُبُودَةِ لِلَّذِي لَهُ مُلْكُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِيَدِهِ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: " {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} "، وَمَا يَدْعُو هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْعُونَ هَذِهِ الْأَوْثَانَ الْإِنَاثَ مِنْ دُونِ اللَّهِ بِدُعَائِهِمْ إِيَّاهَا " {إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} "، يَعْنِي: مُتَمَرِّدًا عَلَى اللَّهِ فِي خِلَافِهِ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَفِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} "، تَمَرَّدَ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: "لَعَنَهُ اللَّهُ "، أَخْزَاهُ وَأَقْصَاهُ وَأَبْعَدَهُ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: " {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} "، قَدْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَأَبْعَدَهُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ. "وَقَالَ لِأَتَّخِذَنَّ"، يَعْنِي بِذَلِكَ: أَنَّ الشَّيْطَانَ الْمَرِيدَ قَالَ لِرَبِّهِ إِذْ لَعَنَهُ: " {لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} ". يَعْنِي بِـ "الْمَفْرُوضِ"، الْمَعْلُومَ، كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: " {نَصِيبًا مَفْرُوضًا} "، قَالَ: مَعْلُومًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَتَّخِذُ الشَّيْطَانُ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ نَصِيبًا مَفْرُوضًا. قِيلَ: يَتَّخِذُ مِنْهُمْ ذَلِكَ النَّصِيبَ، بِإِغْوَائِهِ إِيَّاهُمْ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، وَدُعَائِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ، وَتَزْيِينِهِ لَهُمُ الضَّلَالَ وَالْكُفْرَ حَتَّى يُزِيلَهُمْ عَنْ مَنْهَجِ الطَّرِيقِ، فَمَنْ أَجَابَ دُعَاءَهُ وَاتَّبَعَ مَا زَيَّنَهُ لَهُ، فَهُوَ مِنْ نَصِيبِهِ الْمَعْلُومِ، وَحَظِّهِ الْمَقْسُومِ. وَإِنَّمَا أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الشَّيْطَانِ مِنْ قِيلِهِ: " {لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} "، لِيَعْلَمَ الَّذِينَ شَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى، أَنَّهُمْ مِنْ نَصِيبِ الشَّيْطَانِ الَّذِي لَعَنَهُ اللَّهُ، الْمَفْرُوضِ، وَأَنَّهُمْ مِمَّنْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ ظَنَّهُ. وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى "اللَّعْنَةِ" فِيمَا مَضَى، فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ الشَّيْطَانِ الْمَرِيدِ الَّذِي وَصَفَ صِفَتَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: " وَلَأُضِلَّنَّهُمْ "، وَلَأَصُدَّنَّ النَّصِيبَ الْمَفْرُوضَ الَّذِي أَتَّخِذُهُ مِنْ عِبَادِكَ عَنْ مَحَجَّةِ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالِ، وَمِنَ الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفْرِ"وَلِأُمَنِّيَنَّهُمْ"، يَقُولُ: لَأُزِيغَنَّهُمْ-بِمَا أَجْعَلُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ الْأَمَانِي- عَنْ طَاعَتِكَ وَتَوْحِيدِكَ، إِلَى طَاعَتِي وَالشِّرْكِ بِكَ، " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} "، يَقُولُ: وَلَآمُرُنَّ النَّصِيبَ الْمَفْرُوضَ لِي مِنْ عِبَادِكَ، بِعِبَادَةِ غَيْرِكَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَنْدَادِ حَتَّى يَنْسُكوا لَهُ، وَيُحَرِّمُوا وَيُحَلِّلُوا لَهُ، وَيَشْرَعُوا غَيْرَ الَّذِي شَرَعْتَهُ لَهُمْ، فَيَتْبَعُونِي وَيُخَالِفُونَكَ. وَ "البَتْكُ" مَعْنَاهَا، الْقَطْعُ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: قَطَعَ أُذُنَ الْبَحِيرَةِ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا بَحِيرَةٌ. وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْخَبِيثُ أَنَّهُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْبَحِيرَةِ، فَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، وَيَعْمَلُونَ بِهَا طَاعَةً لَهُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: " {فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} "، قَالَ: الْبَتْكُ فِي الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ، كَانُوا يُبَتِّكُونَ آذَانَهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: قَوْلُهُ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} "، أَمَّا"يُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ"، فَيَشُقُّونَهَا، فَيَجْعَلُونَهَا بَحِيرَةً. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: " {فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} "، قَالَ: دِينٌ شَرَعَهُ لَهُمْ إِبْلِيسُ، كَهَيْئَةِ الْبَحَائِرِ وَالسُّيَّبِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: " {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَآمُرُنَّهُمْ فَلْيُغَيِّرُنَ خَلْقَ اللَّهِ مِنَ الْبَهَائِمِ، بِإِخْصَائِهِمْ إِيَّاهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَرِهَ الْإِخْصَاءَ وَقَالَ: فِيهِ نَزَلَتْ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ". حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ كَرِهَ الْإِخْصَاءَ وَقَالَ: فِيهِ نَزَلَتْ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ". حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: هُوَ الْإِخْصَاءُ، يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ". حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُطَرَّفٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِخْصَاءُ الْبَهَائِمِ مُثْلَةٌ! ثُمَّ قَرَأَ: "وَلَآمُرُنَّهُمْ فَلْيُغَيِّرُنَ خَلْقَ اللَّهِ". حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ الْإِخْصَاءُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنِي شُبَيْلٌ: أَنَّهُ سَمِعَ شَهْرَ بْنَ حَوْشَبٍ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: " {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: الْخِصَاءُ، قَالَ: فَأَمَرْتُ أَبَا التَّيَّاحِ فَسَأَلَ الْحَسَنَ عَنْ خِصَاءِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي وَهْبُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ قَالَ: أَمَرَنِي مُجَاهِدٌ أَنْ أَسْأَلَ عِكْرِمَةَ عَنْ قَوْلِهِ: " {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: هُوَ الْخِصَاءُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَرْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ قَالَ: قَالَ لِي مُجَاهِدٌ: سَلْ عَنْهَا عِكْرِمَةَ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: الْإِخْصَاءُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَا لَهُ، لَعَنَهُ اللَّهُ ! فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ الْإِخْصَاءِ ثُمَّ قَالَ: سَلْهُ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}. [سُورَةُ الرُّومِ: 30]؟ قَالَ: لِدِينِ اللَّهِ، فَحَدَّثْتُ بِهِ مُجَاهِدًا فَقَالَ: مَا لَهُ أَخْزَاهُ اللَّهُ !. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ لَيْثٍ قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ: " {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: الْإِخْصَاءُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ النَّحْوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ قَالَ: سُئِلَ عِكْرِمَةُ عَنْ قَوْلِهِ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: هُوَ الْإِخْصَاءُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: الْإِخْصَاءُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: مِنْهُ الْخِصَاءُ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّهُ كَرِهَ الْإِخْصَاءَ، قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ". وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَآمُرُنَّهُمْ فَلْيُغَيِّرُنَ دِينَ اللَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: دِينُ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُو أَحْمَدَ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: دِينُ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ قَالَ: أَخْبَرْتُ مُجَاهِدًا بِقَوْلِ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: " {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: دِينُ اللَّهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ النَّحْوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ قَالَ: ذَكَرْتُ لِمُجَاهِدٍ قَوْلَ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: " {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، فَقَالَ: كَذِبَ الْعَبْدُ!" {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: دِينُ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ قَالَا: دِينُ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ وَحَفْصٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دِينُ اللَّهِ. ثُمَّ قَرَأَ: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، [سُورَةُ الرُّومِ: 30]. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: الْفِطْرَةُ دِينُ اللَّهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: الْفِطْرَةُ، الدِّينُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: دِينُ اللَّهِ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، أَيْ: دِينُ اللَّهِ، فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: " {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: دِينُ اللَّهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ فِي قَوْلِهِ: " {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: دِينُ اللَّهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: أَمَّا"خَلْقُ اللَّهِ"، فَدِينُ اللَّهِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: دِينُ اللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}، [سُورَةُ الرُّومِ: 30]، يَقُولُ: لِدِينِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: دِينُ اللَّهِ. وَقَرَأَ: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}، قَالَ: لِدِينِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: دِينُ اللَّهِ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ هِلَالٍ قَالَ: كَتَبَ كَثِيرٌ مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ إِلَى الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِهِ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، فَكَتَبَ: "إِنَّهُ دِينُ اللَّهِ". وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} " بِالْوَشْمِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: الْوَشْمُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ نُوحِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْحَسَنِ: " {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: الْوَشْمُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ أَوْ غَيْرُهُ، عَنِ الْحَسَنِ: " {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: الْوَشْمُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ الرَّاسِبِيُّ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْحَسَنَ: مَا تَقُولُ فِي امْرَأَةٍ قَشَرَتْ وَجْهَهَا؟ قَالَ: مَا لَهَا، لَعَنَهَا اللَّهُ ! غَيَّرَتْ خَلْقَ اللَّهِ! حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَفَلِّجَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِرَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ- قَالَ شُعْبَةُ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، قَالَ: دِينُ اللَّهِ. وَذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْآيَةِ الْأُخْرَى عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، وَهِيَ قَوْلُهُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، [سُورَةُ الرُّومِ: 30]. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، دَخَلَ فِي ذَلِكَ فِعْلُ كُلِّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ: مِنْ خِصَاءِ مَا لَا يَجُوزُ خِصَاؤُهُ، وَوَشْمِ مَا نَهَى عَنْ وَشْمِهِ وَوَشْرِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي وَدَخَلَ فِيهِ تَرْكُ كُلِّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ. لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَدْعُو إِلَى جَمِيعِ مَعَاصِي اللَّهِ وَيَنْهَى عَنْ جَمِيعِ طَاعَتِهِ. فَذَلِكَ مَعْنَى أَمْرِهِ نَصِيبَهُ الْمَفْرُوضَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، بِتَغْيِيرِ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ دِينِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَلَا مَعْنَى لِتَوْجِيهِ مَنْ وَجَّهَ قَوْلَهُ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} "، إِلَى أَنَّهُ وَعْدُ الْآمِرِ بِتَغْيِيرِ بَعْضِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ دُونَ بَعْضٍ، أَوْ بَعْضِ مَا أَمَرَ بِهِ دُونَ بَعْضٍ. فَإِنْ كَانَ الَّذِي وَجَّهَ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى الْخِصَاءِ وَالْوَشْمِ دُونَ غَيْرِهِ، إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ عَنَى بِهِ تَغْيِيرَ الْأَجْسَامِ، فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِخْبَارًا عَنْ قِيلِ الشَّيْطَانِ: " {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} "، مَا يُنْبِئُ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ. لِأَنَّ تَبْتِيكَ آذَانِ الْأَنْعَامِ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ أَجْسَامٌ. وَقَدْ مَضَى الْخَبَرُ عَنْهُ أَنَّهُ وَعْدُ الْآمِرِ بِتَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ مِنَ الْأَجْسَامِ مُفَسَّرًا، فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَةِ الْخَبَرِ عَنْهُ بِهِ مُجْمَلًا، إِذْ كَانَ الْفَصِيحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُتَرْجَمَ عَنِ الْمُجْمَلِ مِنَ الْكَلَامِ بِالْمُفَسَّرِ، وَبِالْخَاصِّ عَنِ الْعَامِّ، دُونَ التَّرْجَمَةِ عَنِ الْمُفَسَّرِ بِالْمُجْمَلِ، وَبِالْعَامِّ عَنِ الْخَاصِّ. وَتَوْجِيهُ كِتَابِ اللَّهِ إِلَى الْأَفْصَحِ مِنَ الْكَلَامِ، أُولَى مِنْ تَوْجِيهِهِ إِلَى غَيْرِهِ، مَا وُجِدَ إِلَيْهِ السَّبِيلُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، عَنْ حَالِ نَصِيبِ الشَّيْطَانِ الْمَفْرُوضِ الَّذِينَ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى. يَقُولُ اللَّهُ: وَمَنْ يَتَّبِعِ الشَّيْطَانَ فَيُطِيعُهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَخِلَافِ أَمْرِهِ، وَيُوَالِيهِ فَيَتَّخِذُهُ وَلِيًّا لِنَفْسِهِ وَنَصِيرًا مِنْ دُونِ اللَّهِ " {فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} "، يَقُولُ: فَقَدْ هَلَكَ هَلَاكًا، وَبَخَسَ نَفْسَهُ حَظَّهَا فَأَوْبَقَهَا بَخْسًا"مُبِينًا" يُبِينُ عَنْ عَطَبِهِ وَهَلَاكِهِ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَمْلِكُ لَهُ نَصْرًا مِنَ اللَّهِ إِذَا عَاقَبَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ فِي خِلَافِهِ أَمْرَهُ، بَلْ يَخْذُلُهُ عِنْدَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ. وَإِنَّمَا حَالُهُ مَعَهُ مَا دَامَ حَيًّا مُمْهَلًا بِالْعُقُوبَةِ، كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: " {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} "، يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَعِدُ الشَّيْطَانُ الْمَرِيدُ أَوْلِيَاءَهُ الَّذِينَ هُمْ نَصِيبُهُ الْمَفْرُوضُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ نَصِيرًا مِمَّنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ، وَظَهِيرًا لَهُمْ عَلَيْهِ، يَمْنَعُهُمْ مِنْهُ وَيُدَافِعُ عَنْهُمْ، وَيُمَنِّيهِمُ الظَّفَرَ عَلَى مَنْ حَاوَلَ مَكْرُوهَهُمْ وَالْفَلَجَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ قَالَ: " {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} " يَقُولُ: وَمَا يَعِدُ الشَّيْطَانُ أَوْلِيَاءَهُ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ "إِلَّا غُرُورًا" يَعْنِي: إِلَّا بَاطِلًا. وَإِنَّمَا جَعَلَ عِدَتَهُ إِيَّاهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَا وَعَدَهُمْ"غُرُورًا"، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ فِي اتِّخَاذِهِمْ إِيَّاهُ وَلِيًّا عَلَى حَقِيقَةٍ مِنْ عِدَاتِهِ الْكَذِبِ وَأَمَانِيهِ الْبَاطِلَةِ، حَتَّى إِذَا حَصْحَصَ الْحَقُّ، وَصَارُوا إِلَى الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، قَالَ لَهُمْ عَدُوُّ اللَّهِ: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ}، [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 22]. وَكَمَا قَالَ لِلْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ، وَقَدْ زَيَّنَ لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ: {لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ}، وَحَصْحَصَ الْحَقُّ، وَعَايَنَ جِدَّ الْأَمْرِ وَنُزُولَ عَذَابِ اللَّهِ بِحِزْبِهِ: {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 48]، فَصَارَتْ عِدَاتُهُ، عَدُوَّ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ غُرُورًا {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ}. [سُورَةُ النُّورِ: 39].
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: "أُولَئِكَ"، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مَنْ دُونِ اللَّهِ" {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} "، يَعْنِي: مَصِيرُهُمُ الَّذِينَ يَصِيرُونَ إِلَيْهِ جَهَنَّمُ، " {وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا} "، يَقُولُ: لَا يَجِدُونَ عَنْ جَهَنَّمَ-إِذَا صَيَّرَهُمُ اللَّهُ إِلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ- مَعْدِلًا يَعْدِلُونَ إِلَيْهِ. يُقَالُ مِنْهُ: "حَاصَ فُلَانٌ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ يَحِيصُ حَيْصًا وحُيُوصًا"، إِذَا عَدَلَ عَنْهُ. وَمِنْهُ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً كُنْتُ فِيهِمْ، فَلَقِينَا الْمُشْرِكِينَ فُحِصْنَا حَيْصَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: "فَجَاضُوا جَيْضَةً". وَ "الحَيْصُ" وَ "الجَيْضُ"، مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًاوَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: " {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} "، وَالَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَقَرُّوا لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنُّبُوَّةِ"وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ"، يَقُولُ: وَأَدَّوْا فَرَائِضَ اللَّهِ الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْهِمْ " {سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} "، يَقُولُ: سَوْفَ نُدْخِلُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا صَارُوا إِلَى اللَّهِ، جَزَاءً بِمَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الصَّالِحَاتِ"جَنَّاتٍ"، يَعْنِي: بَسَاتِينَ " {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} "، يَقُولُ: بَاقِينَ فِي هَذِهِ الْجَنَّاتِ الَّتِي وَصَفَهَا "أَبَدًا"، دَائِمًا. وَقَوْلُهُ: " {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} "، يَعْنِي: عِدَةٌ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا"حَقًّا"، يَعْنِي: يَقِينًا صَادِقًا، لَا كَعِدَةِ الشَّيْطَانِ الْكَاذِبَةِ الَّتِي هِيَ غُرُورُ مَنْ وُعِدَهَا مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَلَكِنَّهَا عِدَةٌ مِمَّنْ لَا يَكْذِبُ وَلَا يَكُونُ مِنْهُ الْكَذِبُ، وَلَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ. وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَعْدَهُ بِالصِّدْقِ وَالْحَقِّ فِي هَذِهِ، لِمَا سَبَقَ مِنْ خَبَرِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ قَوْلِ الشَّيْطَانِ الَّذِي قَصَّهُ فِي قَوْلِهِ: " {وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرُنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} "، ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: " {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} "، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَعِدُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّهُ سَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، وَعْدًا مِنْهُ حَقًّا، لَا كَوَعْدِ الشَّيْطَانِ الَّذِي وَصَفَ صِفَتَهُ. فَوَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْوَعْدَيْنِ وَالْوَاعِدَيْنِ، وَأَخْبَرَ بِحُكْمِ أَهْلِ كُلِّ وَعْدِ مِنْهُمَا، تَنْبِيهًا مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَلْقَهُ عَلَى مَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُمْ وَخَلَاصُهُمْ مِنَ الْهَلَكَةِ وَالْمَعْطَبَةِ، لِيَنْزَجِرُوا عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَيَعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ، فَيَفُوزُوا بِمَا أَعَدَّ لَهُمْ فِي جِنَانِهِ مِنْ ثَوَابِهِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: " {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} "، يَقُولُ: وَمَنْ أَصْدَقُ، أَيُّهَا النَّاسُ، مِنَ اللَّهِ قِيلًا أَيْ: لَا أَحَدَ أَصْدَقُ مِنْهُ قِيلًا! فَكَيْفَ تَتْرُكُونَ الْعَمَلَ بِمَا وَعَدَكُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ رَبُّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، وَتَكْفُرُونَ بِهِ وَتُخَالِفُونَ أَمْرَهُ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا أَحَدَ أَصْدَقُ مِنْهُ قِيلًا وَتَعْمَلُونَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ الشَّيْطَانُ رَجَاءً لِإِدْرَاكِ مَا يَعِدُكُمْ مِنْ عِدَاتِهِ الْكَاذِبَةِ وَأَمَانِيهِ الْبَاطِلَةِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ عِدَاتَهُ غُرُورٌ لَا صِحَّةَ لَهَا وَلَا حَقِيقَةَ، وَتَتَّخِذُونَهُ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَتَتْرُكُونَ أَنْ تُطِيعُوا اللَّهَ فِيمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ وَيَنْهَاكُمْ عَنْهُ، فَتَكُونُوا لَهُ أَوْلِيَاءَ؟ وَمَعْنَى "القِيلِ" وَ "القَوْلِ" وَاحِدٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِقَوْلِهِ: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِقَوْلِهِ: "لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ"، أَهْلُ الْإِسْلَامِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: تَفَاخَرَ النَّصَارَى وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَفْضَلُ مِنْكُمْ! وَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَفْضَلُ مِنْكُمْ! قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} ". حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} "، قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَحْنُ وَأَنْتُمْ سَوَاءٌ! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: " {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} ". حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ فِي قَوْلِهِ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} "، قَالَ: احْتَجَّ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نَحْنُ أَهْدَى مِنْكُمْ! وَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَحْنُ أَهْدَى مِنْكُمْ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ: "لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ"، قَالَ: فَفَلَجَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ: " {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} "، إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ افْتَخَرُوا، فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَكِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ، وَنَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ! وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ، نَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَكِتَابُنَا يَقْضِي عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهُ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، إِلَى قَوْلِهِ: " {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} "، فَأَفْلَجَ اللَّهُ حُجَّةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، قَالَ: الْتَقَى نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَقَالَتِ الْيَهُودُ لِلْمُسْلِمِينَ: نَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ، دِينُنَا قَبْلَ دِينِكُمْ، وَكِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ، وَنَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَنَحْنُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا! وَقَالَتِ النَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: كِتَابُنَا بَعْدَ كِتَابِكُمْ، وَنَبِيُّنَا بَعْدَ نَبِيِّكُمْ، وَقَدْ أُمِرْتُمْ أَنْ تَتْبَعُونَا وَتَتْرُكُوا أَمْرَكُمْ، فَنَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ، نَحْنُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، وَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى دِينِنَا! فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ فَقَالَ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، ثُمَّ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: " {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} ". حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، تَخَاصَمَ أَهْلُ الْأَدْيَانِ، فَقَالَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ: كِتَابُنَا أَوَّلُ كِتَابٍ وَخَيْرُهَا، وَنَبِيُّنَا خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ! وَقَالَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ: لَا دِينَ إِلَّا دِينُ الْإِسْلَامِ، وَكِتَابُنَا نَسَخَ كُلَّ كِتَابِ، وَنَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَعْمَلَ بِكِتَابِنَا وَنُؤْمِنَ بِكِتَابِكُمْ! فَقَضَى اللَّهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، ثُمَّ خَيَّرَ بَيْنَ أَهْلِ الْأَدْيَانِ فَفَضَّلَ أَهْلَ الْفَضْلِ فَقَالَ: " {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} " إِلَى قَوْلِهِ: " {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} ". حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} "، إِلَى: "وَلَا نَصِيرًا"، تَحَاكَمَ أَهْلُ الْأَدْيَانِ، فَقَالَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ: كِتَابُنَا خَيْرُ الْكُتُبِ، أُنْزِلَ قَبْلَ كِتَابِكُمْ، وَنَبِيُّنَا خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ! وَقَالَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ: لَا دِينَ إِلَّا الْإِسْلَامُ، كِتَابُنَا نَسَخَ كُلَّ كِتَابٍ، وَنَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَأُمِرْتُمْ وَأُمِرْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِكِتَابِكُمْ، وَنَعْمَلَ بِكِتَابِنَا! فَقَضَى اللَّهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، وَخَيَّرَ بَيْنَ أَهْلِ الْأَدْيَانِ فَقَالَ: " {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: جَلَسَ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَأَهْلِ الْإِنْجِيلِ وَأَهْلِ الْإِيمَانِ، فَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَفْضَلُ! وَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَفْضَلُ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ". ثُمَّ خَصَّ اللَّهُ أَهْلَ الْإِيمَانِ فَقَالَ: " {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} ". حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: جَلَسَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَأَهْلُ الْإِنْجِيلِ وَأَهْلُ الزَّبُورِ فَتَفَاخَرُوا فَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَفْضَلُ! وَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَفْضَلُ! وَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَفْضَلُ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} ". حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} "، قَالَ: افْتَخَرَ أَهْلُ الْأَدْيَانِ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: كِتَابُنَا خَيْرُ الْكُتُبِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ، وَنَبِيُّنَا أَكْرَمُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى اللَّهِ، مُوسَى كَلَّمَهُ اللَّهُ قَبَلًا وَخَلَا بِهِ نَجِيًّا، وَدِينُنَا خَيْرُ الْأَدْيَانِ! وَقَالَتِ النَّصَارَى: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ خَاتَمُ الرُّسُلِ، وَآتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلِ، وَلَوْ أَدْرَكَهُ مُوسَى لَاتَّبَعَهُ، وَدِينُنَا خَيْرُ الْأَدْيَانِ! وَقَالَتِ الْمَجُوسُ وَكُفَّارُ الْعَرَبِ: دِينُنَا أَقْدَمُ الْأَدْيَانِ وَخَيْرُهَا! وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: مُحَمَّدٌ نَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدُ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْفُرْقَانُ آخِرُ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْكُتُبِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُوَ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ، وَالْإِسْلَامُ خَيْرُ الْأَدْيَانِ! فَخَيَّرَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} ". وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} "، أَهْلَ الشِّرْكِ بِهِ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} "، قَالَ: قُرَيْشٌ، قَالَتْ: "لَنْ نُبْعَثَ وَلَنْ نُعَذَّبَ". حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} "، قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ: "لَنْ نُبْعَثَ وَلَنْ نُعَذَّبَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ". حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، قَالَ: قَالَتِ الْعَرَبُ: "لَنْ نُبْعَثَ وَلَنْ نُعَذَّبَ"، وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 111]، أَوْ قَالُوا: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً}، [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 80] شَكَّ أَبُو بِشْرٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} "، قُرَيْشٌ وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ". حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} " إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: جَاءَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطُبُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالُوا لَهُ: يَا حُيَيُّ، إِنَّكُمْ أَصْحَابُ كُتُبٍ، فَنَحْنُ خَيْرٌ أَمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ؟ فَقَالَ: نَحْنُ وَأَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُ! فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 51، ]. ثُمَّ قَالَ لِلْمُشْرِكِينَ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} "، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: " {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} "، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، "فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا"، قَالَ: وَوَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ، وَلَمْ يَعِدْ أُولَئِكَ، وَقَرَأَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 7]. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ: "لَنْ نُبْعَثَ وَلَنْ نُعَذَّبَ"! وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ خَاصَّةً.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} " الْآيَةَ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ حِينَ خَالَفُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، مَا قَالَ مُجَاهِدٌ: مِنْ أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} "، مُشْرِكِي قُرَيْشٍ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجْرِ لِأَمَانِيِّهِمْ ذِكْرٌ فِيمَا مَضَى مِنَ الْآيِ قَبْلَ قَوْلِهِ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} "، وَإِنَّمَا جَرَى ذِكْرُ أَمَانِيِّ نَصِيبِ الشَّيْطَانِ الْمَفْرُوضِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: " {وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} "، وَقَوْلِهِ: " {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ} "، فَإِلْحَاقُ مَعْنَى قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} " بِمَا قَدْ جَرَى ذِكْرُهُ قَبْلُ، أَحَقُّ وَأُولَى مِنَ ادِّعَاءِ تَأْوِيلٍ فِيهِ، لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، وَلَا أَثَرَ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا إِجْمَاعَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إذًا: لَيْسَ الْأَمْرُ بِأَمَانِيِّكُمْ، يَا مَعْشَرَ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ، الَّتِي يُمَنِّيكُمُوهَا وَلِيُّكُمْ عَدُوُّ اللَّهِ، مِنْ إِنْقَاذِكُمْ مِمَّنْ أَرَادَكُمْ بِسُوءٍ، وَنُصْرَتِكُمْ عَلَيْهِ وَإِظْفَارِكُمْ بِهِ، وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ قَالُوا اغْتِرَارًا بِاللَّهِ وَبِحِلْمِهِ عَنْهُمْ: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} وَ {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}، فَإِنَّ اللَّهَ مُجَازِي كُلَّ عَامِلٍ مِنْكُمْ جَزَاءَ عَمَلِهِ، مَنْ يَعْمَلْ مِنْكُمْ سُوءًا، وَمِنْ غَيْرِكُمْ، يُجْزَ بِهِ، وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. وَمِمَّا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ عُنِيَ بِقَوْلِهِ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} " مُشْرِكُو الْعَرَبِ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ، أَنَّ اللَّهَ وَصَفَ وَعْدَ الشَّيْطَانِ مَا وَعَدَ أَوْلِيَاءَهُ وَأَخْبَرَ بِحَالِ وَعْدِهِ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِصِفَةِ وَعْدِهِ الصَّادِقِ بِقَوْلِهِ: " {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} "، وَقَدْ ذَكَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَعَ وَصْفِهِ وَعْدَ الشَّيْطَانِ أَوْلِيَاءَهُ، تَمْنِيَتَهُ إِيَّاهُمُ الْأَمَانِيَّ بِقَوْلِهِ: " {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ} "، كَمَا ذَكَرَ وَعْدَهُ إِيَّاهُمْ. فَالَّذِي هُوَ أَشْبَهُ: أَنْ يُتْبِعَ تَمْنِيَتَهُ إِيَّاهُمْ مِنَ الصِّفَةِ، بِمِثْلِ الَّذِي أَتْبَعَ عِدَتَهُ إِيَّاهُمْ بِهِ مِنَ الصِّفَةِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، صَحَّ أَنَّ قَوْلَهُ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} " الْآيَةَ، إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ أَمَانِيِّ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ، وَمَا إِلَيْهِ صَائِرَةٌ أَمَانِيِّهِمْ مَعَ سَيِّئِ أَعْمَالِهِمْ مِنْ سُوءِ الْجَزَاءِ، وَمَا إِلَيْهِ صَائِرَةٌ أَعْمَالُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ. وَإِنَّمَا ضَمَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} "، لِأَنَّ أَمَانِيَّ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ تَمْنِيَةِ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُمُ الَّتِي وَعَدَهُمْ أَنْ يُمَنِّيهُمُوهَا بِقَوْلِهِ: " {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ} ". الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِـ "السُّوء" كُلَّ مَعْصِيَةٍ لِلَّهِ. وَقَالُوا: مَعْنَى الْآيَةِ: مَنْ يَرْتَكِبْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ كَافِرٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، يُجَازِهِ اللَّهُ بِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ الرَّبِيعَ بْنَ زِيَادٍ سَأَلَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَرَاكَ إِلَّا أَفْقَهَ مِمَّا أَرَى! النَّكْبَةَ وَالْعُودَ وَالْخَدْشَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: قُلْتُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، وَاللَّهِ إِنْ كَانَ كُلُّ مَا عَمِلْنَا جُزِينَا بِهِ هَلَكْنَا! قَالَ: وَاللَّهُ إِنْ كُنْتُ لِأَرَاكَ أَفْقَهَ مِمَّا أَرَى! لَا يُصِيبُ رَجُلًا خَدْشٌ وَلَا عَثْرَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ، حَتَّى اللَّدْغَةَ وَالنَّفْحَةَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَة كيْ أَسْأَلَهَا عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلُ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، قَالَتْ: ذَاكَ مَا يُصِيبُكُمْ فِي الدُّنْيَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي خَالِدٌ: أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، قَالَ: يُجْزَ بِهِ فِي الدُّنْيَا. قَالَ قُلْتُ: وَمَا تَبْلُغُ الْمُصِيبَاتُ؟ قَالَ: مَا تَكْرَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: مَنْ يَعْمَلُ سُوءًا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، يُجْزَ بِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، قَالَ: الْكَافِرُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 17]، قَالَ: مِنَ الْكُفَّارِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الْأَهْوَازِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، وَ {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}، [سُورَةُ سَبَأٍ: 17]، يَعْنِي بِذَلِكَ الْكَفَّارِ، لَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْلَ الصَّلَاةِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، قَالَ: وَاللَّهِ مَا جَازَى اللَّهُ عَبْدًا بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ إِلَّا عَذَّبَهُ. قَالَ: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}، [سُورَةُ النَّجْمِ: 31]. قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ، وَلَكِنَّهُ غَفَرَهَا لَهُمْ وَلَمْ يُجَازِهِمْ بِهَا، إِنَّ اللَّهَ لَا يُجَازِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ بِذَنْبٍ، إذًا تُوبِقُهُ ذُنُوبَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، قَالَ: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ، وَلَمْ يَعِدْ أُولَئِكَ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، قَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ هَوَانَهُ، فَأَمَّا مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ: {وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ}، [سُورَةُ الْأَحْقَافِ: 16] حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، يَعْنِي بِذَلِكَ: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَكُفَّارَ الْعَرَبِ" {وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} ". وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى "السُّوءِ" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الشِّرْكُ. قَالُوا: وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ يُجْزَ بِشِرْكِهِ" {وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} ".
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، يَقُولُ: مَنْ يُشْرِكْ يُجْزَ بِهِ وَهُوَ "السُّوءُ"" {وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} "، إِلَّا أَنْ يَتُوبَ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، قَالَ: الشِّرْكُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَائِشَة: وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ سُوءًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ كَافِرٍ، جُوزِيَ بِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ: لِعُمُومِ الْآيَةِ كُلَّ عَامِلِ سُوءٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَصَّ أَوْ يُسْتَثْنَى مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَهِيَ عَلَى عُمُومِهَا، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى خُصُوصِهَا، وَلَا قَامَتْ حُجَّةٌ بِذَلِكَ مِنْ خَبَرٍ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَأَيْنَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}. [سُورَةُ النِّسَاءِ: 31]؟ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُجَازِيَ عَلَى مَا قَدْ وَعَدَ تَكْفِيرَهُ؟ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَعِدْ بِقَوْلِهِ: " {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} "، تَرْكَ الْمُجَازَاةِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا وَعَدَ التَّكْفِيرَ بِتَرْكِ الْفَضِيحَةِ مِنْهُ لِأَهْلِهَا فِي مَعَادِهِمْ، كَمَا فَضَحَ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ. فَأَمَّا إِذَا جَازَاهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَيْهَا بِالْمَصَائِبِ لِيُكَفِّرَهَا عَنْهُمْ بِهَا، لِيُوَافُوهُ وَلَا ذَنْبَ لَهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْمُجَازَاةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّمَا وَفَى لَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ بِقَوْلِهِ: " {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} "، وَأَنْجَزَ لَهُمْ مَا ضَمِنَ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، [سُورَةُ النِّسَاءِ: 122]. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ: تَظَاهَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ وَنَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْقَطَوَانِيُّ قَالُوا، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، شَقَّتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَبَلَغَتْ مِنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَبْلُغَ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: قَارِبُوا وَسَدِّدُوا، فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ، حَتَّى النَّكْبَةُ يَنْكُبُهَا، أَوِ الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا. « حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الْحَارِثِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ قُنْفُذٍ، عَنْ عَائِشَة، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: » لَمَّا نَزَلَتْ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّ مَا نَعْمَلُ نُؤَاخَذُ بِهِ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ يُصِيبُكَ كَذَا وَكَذَا؟ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ. حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ زِيَادٍ الْجَصَّاصِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ" فِي الدُّنْيَا. « حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كَيْفَ الصَّلَاحُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، فَمَا عَمِلْنَاهُ جُزِينَا بِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلَسْتَ تَمْرَضُ؟ أَلَسْتَ تَحْزَنُ؟ أَلَسْتَ تُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ؟ قَالَ: فَهُوَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ!» حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: أَظُنُّهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ الصَّلَاحُ؟ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِيهِ: أَلَسْتَ تُنْكَبُ؟ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ: أَنْ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ الصَّلَاحُ؟ فَذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الْجَنْبِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَكُلُّ سُوءٍ عَمِلْنَاهُ جُزِينَا بِهِ؟ وَقَالَ أَيْضًا: أَلَسْتَ تَمْرَضُ؟ أَلَسْتَ تَنْصَبُ؟ أَلَسْتَ تَحْزَنُ؟ أَلَيْسَ تُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: هُوَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ! « حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: » لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَنُجْزَى بِكُلِّ شَيْءٍ نَعْمَلُهُ؟ قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْتَ تَنْصَبُ؟ أَلَسْتَ تَحْزَنُ؟ أَلَسْتَ تُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ؟ فَهَذَا مِمَّا تُجْزَوْنَ بِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَشَدَّ هَذِهِ الْآيَةَ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "؟ قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ الْمُصِيبَةَ فِي الدُّنْيَا جَزَاءٌ.» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، «عَنْ عَائِشَة قالَتْ، قُلْتُ: إِنِّي لِأَعْلَمُ أَيَّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَشَدُّ؟ فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ آيَةٍ؟ فَقُلْتُ: " {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "! قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِيُجَازَى بِأَسْوَأِ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا"، ثُمَّ ذَكَرَ أَشْيَاءً مِنْهُنَّ الْمَرَضُ وَالنَّصَبُ، فَكَانَ آخِرُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ النَّكْبَةَ، فَقَالَ: "كُلُّ ذِي يُجْزَى بِهِ بِعَمَلِهِ، يَا عَائِشَة، إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا يُعَذَّبُ". فَقُلْتُ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}، [سُورَةُ الِانْشِقَاقِ: 8]؟ فَقَالَ: ذَاكَ عِنْدَ الْعَرْضِ، إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ، وَقَالَ بِيَدِهِ عَلَى إِصْبَعِهِ، كَأَنَّهُ يَنْكُتُه». حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُمَيَّةَ قَالَتْ: «سَأَلْتُ عَائِشَة عنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}، [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 284]، وَ" {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ". قَالَتْ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا فَقَالَ: يَا عَائِشَة، ذَاكَ مَثَابَةُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ بِمَا يُصِيبُهُ مِنَ الْحُمَّى وَالْكِبَرِ، وَالْبِضَاعَةِ يَضَعُهَا فِي كُمِّهِ فَيَفْقِدُهَا، فَيَفْزَعُ لَهَا فَيَجِدُهَا فِي كُمِّهِ، حَتَّى إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا يَخْرُجُ التِّبْرُ الْأَحْمَرُ مِنَ الْكِير». حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، «عَنْ عَائِشَة قالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لِأَعْلَمُ أَشَدَّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ! فَقَالَ: مَا هِيَ يَا عَائِشَة؟ قُلْتُ: هِيَ هَذِهِ الْآيَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: "مَنْ يَعْمَلُ سُوءًا يُجْزَ بِهِ"، فَقَالَ: هُوَ مَا يُصِيبُ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ، حَتَّى النَّكْبَةَ يَنْكُبُهَا.» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} "، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَشَدَّ هَذِهِ الْآيَةَ؟ قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّكَ تَمْرَضُ، وَإِنَّكَ تَحْزَنُ، وَإِنَّكَ يُصِيبُكَ أَذًى، فَذَاكَ بِذَاكَ. « حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: » لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: جَاءَتْ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا هِيَ الْمُصِيبَاتُ فِي الدُّنْيَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَا يَجِدُ الَّذِي يَعْمَلُ سُوءًا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَخِلَافِ مَا أَمَرَهُ بِهِ"مِنْ دُونِ اللَّهِ"، يَعْنِي: مِنْ بَعْدِ اللَّهِ، وَسِوَاهُ "وَلِيًّا" يَلِي أَمْرَهُ، وَيَحْمِي عَنْهُ مَا يَنْزِلُ بِهِ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ "وَلَا نَصِيرًا"، يَعْنِي: وَلَا نَاصِرًا يَنْصُرُهُ مِمَّا يَحِلُّ بِهِ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ وَأَلِيمِ نَكَالِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ: " {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} "، يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: إِنَّمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَنْعَمُ فِيهَا فِي الْآخِرَةِ، مَنْ يَعْمَلُ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذُكُورِكُمْ وَإِنَاثِكُمْ، وَذُكُورِ عِبَادِي وَإِنَاثِهِمْ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي وَبِرَسُولِي مُحَمَّدٍ، مُصَدِّقٌ بِوَحْدَانِيَّتِي وَبِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِي لَا أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِي، الْمُكَذِّبُونَ رَسُولِي، فَلَا تَطْمَعُوا أَنْ تَحُلُّوا- وَأَنْتُمْ كُفَّارٌ- مَحَلَّ الْمُؤْمِنِينَ بِي، وَتَدْخُلُوا مَدَاخِلَهُمْ فِي الْقِيَامَةِ، وَأَنْتُمْ مُكَذِّبُونَ بِرَسُولِي، كَمَا:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ: " {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} "، قَالَ: أَبَى أَنْ يَقْبَلَ الْإِيمَانَ إِلَّا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ الْإِسْلَامَ إِلَّا بِالْإِحْسَانِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " {وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} "، فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ثَوَابِ عَمَلِهِمْ، مِقْدَارَ النُّقْرَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي ظَهْرِ النَّوَاةَ فِي الْقِلَّةِ، فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ؟ وَإِنَّمَا يُخْبِرُ بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَادَهُ أَنَّهُ لَا يَبْخَسُهُمْ مِنْ جَزَاءِ أَعْمَالِهِمْ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَلَكِنْ يُوَفِّيهِمْ ذَلِكَ كَمَا وَعَدَهُمْ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى "النَّقِيرِ"، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} "، قَالَ: النَّقِيرُ، الَّذِي يَكُونُ فِي ظَهْرِ النَّوَاةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ: النَّقِيرُ، الَّذِي فِي وَسَطِ النَّوَاةِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: مَا وَجْهُ دُخُولِ: "مِنْ" فِي قَوْلِهِ: " {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ} "، وَلَمْ يَقُلْ: "وَمَنْ يَعْمَلِ الصَّالِحَاتِ"؟ قِيلَ: لِدُخُولِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ لَنْ يُطِيقُوا أَنْ يَعْمَلُوا جَمِيعَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، فَأَوْجَبَ وَعْدَهُ لِمَنْ عَمِلَ مَا أَطَاقَ مِنْهَا، وَلَمْ يَحْرِمْهُ مِنْ فَضْلِهِ بِسَبَبِ مَا عَجَزَتْ عَنْ عَمَلِهِ مِنْهَا قُوَّتُهُ. وَالْآخَرُ مِنْهُمَا: أَنْ يَكُونَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَوْجَبَ وَعْدَهُ لِمَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ وَأَدَّى الْفَرَائِضَ، وَإِنْ قَصَّرَ فِي بَعْضِ الْوَاجِبِ لَهُ عَلَيْهِ، تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ كَانَ الْفَضْلُ بِهِ أَوْلَى، وَالصَّفْحُ عَنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ أَحْرَى. وَقَدْ تَقَوَّلَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، أَنَّهَا أُدْخِلَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى الْحَذْفِ، وَيَتَأَوَّلُهُ: وَمَنْ يَعْمَلِ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَذَلِكَ عِنْدِي غَيْرُ جَائِزٍ، لِأَنَّ دُخُولَهَا لِمَعْنًى، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا الْحَذْفُ.
|